إن الارتباط الوثيق بين أصحاب الحقوق المجاورة وفئات المؤلفين في ميدان الإبداع الأدبي والفني قد اتصلت أواصره منذ زمن بعيد، ذلك أن الأعمال التي تقدمها طوائف الحقوق المجاورة، وبالأخص منها طائفة فناني الأداء، كانت ولا تزال مكملة لعمل المؤلف وداعمة له، بل وتصب في خدمة الغرض الذي يسعى إليه المؤلف، وهو إيصال فكره إلى الجمهور بهيئة أو صورة حسنة سائغة القبول.
غير أن هذا التداخل في مجرى العمل الإبداعي لم يعط الطوائف المجاورة من الحقوق ما يعطى لفئات المؤلفين سواء في الحقب السابقة على التدخل التشريعي أو بعدها، فنشاط فناني الأداء قبل اكتسابهم لقيم حقوقهم لم يكن مقدرا بعرف أو قاعدة عادلة، وظل الحال بعد الاعتراف التشريعي يأخذ دورا هامشيا من النواحي الاجتماعية لم يبلغ مداه الحد الأدنى للحقوق المدنية والاجتماعية، في الوقت الذي يعد هدف النشاط المصاحب هو بناء ثقافة مجتمعية ترتكز على خدمة المصنف من خلال نشره وإظهار فحوى جودته وتبيان محتوى مكنوناته بصورة خلاقة في الوسط الجمعي.
وبما إن أصحاب الحقوق المجاورة قد استطاعوا أن يشقوا طريقهم _ وخصوصا في النصف الأخير من القرن العشرين _ عن طريق الاستحواذ على الثقافة الجماهيرية وافتتان الكافة بأعمالهم التي غدت تتمدد على حساب المؤلف وحقوقه، فقد أصبح هذا الأخير رهين أسر الأول منقادا وراءه مذعنا لشروطه مستفيدا من رواج عطائه الفني في ميدان الأداء الإبداعي والعمل التقني الناجع، فقد كان لهذا التحول والتزاحم في مجرى الإبداع، أن نبه الجهات القائمة على إعداد التشريعات لاستيعاب الزحف المتسارع لطوائف الحقوق المجاورة إلى قوام الإبداع….