التقنية الإعلامية الرقمية الحديثة هي تقنية ظاهرة ذات تعقيد لانهائي وتنوع لا يمكن الإحاطة به, فالتراكم الهائل للأدوات والابتكارات والتطبيقات والخبرات وغيرها يشكل مجموعاً مذهلاً وخارقاً أن جاز التعبير من نتاج الثورة الرقمية, أن الثورة الرقمية ليست حدثاً تقنياً فحسب بل أنها توازي حدثاً فلسفياً, وان التقنيات الرقمية هي نظريات مُجسِدة ما هو واقعي أو هي مولدات للواقع, وكما عودتنا الفلسفة التقليدية على التفكير بأن إدراكنا للواقع ينتج من تفاعل الذات والموضوع, فقد تحول الفرد إِلى مستعمل لهذه التقنيات من أجل فهم ما يجري من حوله في العالم, رغم اختلاف نوعية الاستعمال الذاتي بين الأفراد والمجتمعات, ونقصد بالاستعمال الذاتي سلوك الفرد المستعمل في الفضاء الرقمي خلال استعماله لمواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والمدونات ومواقع الفيديو وغيرها من الوسائل الإعلامية الرقمية, فهناك استعمال مجرد مساحة للنقاش والدردشة وتبادل الأفكار والتفاعل والتعبير والتنفيس والترفيه, وهذا النوع من الاستعمال قد يؤدي إِلى مشاكل للفرد والمجتمع معاً, لأنَّ عملية التعامل مع وسائل الإعلام الرقمي عملية لا تخلو من المخاطر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الصحية, وهناك استعمال يصب في المصلحة العامة أو الهادفة إِلى التطوير الفكري والإبداع ليعتمد عليه الأفراد والمجتمع في إدارة وحماية مصالحه العليا والدنيا, وللوصول إِلى هذا المستوى أو النوع من الاستعمال الهادف يجب على الأفراد من الحصول على بعض المهارات سواء كانت مهارات ذاتية أم مهارات تقنية, التي تمكنهم من الاستعمال والتعامل الإيجابي مع تقنيات الإعلام الرقمي, وهذه المهارات نطلق عليها (التربية الإعلامية و والرقمية) التي تسعى إِلى تزويد الأفراد بمجموعة من المهارات تمكنهم من تحقيق التعامل الأمثل مع وسائل الإعلام أو هي (مهارات التعامل مع وسائل الإعلام).
كتابنا هذا ينطلق من فرضية علمية أساسية ترى ضرورة أن يمتلك الفرد المستعمل لمهارات تساعده على التعامل مع وسائل الإعلام, لأنَّ هناك قوى سياسية واقتصادية تسيطر على وسائل الإعلام ولاسيما الرقمية وتستغلها لتتحول من وسائل إعلام تسعى لتشكيل الوعي الاجتماعي إِلى وسائل إعلام يتم بواسطتها تزييف الوعي الاجتماعي للأفراد والجماهير…