ظلت بلاد النهرين قرون عديدة محط انظار القوى الكبرى للفترة الواقعة بين عامي (539-126 ق.م) في الشرق والغرب فأصبحت ساحة نزاع الامبراطوريات ، لما تمتلكهُ بلاد النهرين من مقومات وموارد كثيرة تفتقر اليها المجتمعات القريبة والبعيدة ، فقد كان سكان بلاد النهرين محظوظين جدًا لان بلادهم تقع بين نهرين كبيرين ، وعن طريقهما يرتبطان بالعالم الخارجي حيث الخليج العربي ، مما منح بلادهم موقعاً استراتيجياً مهماً يربط الشرق بالغرب .
وتعد الفترة الواقعة بين عامي (539-126 ق.م) فترة حرجة واستثنائية في حياة سكان بلاد النهرين ، لأنها مرحلة احتلال وهيمنة من قوى كبيرة مجاورة ، فقد تعرض للغزو الفارسي الاخميني الذي تمكن من احتلال بلاد النهرين وهزيمة الجيش البابلي واسقاط مدينة بابل عام 539 ق.م بقيادة كورش الكبير (560 – 529 ق م) من دون مقاومة تقريباً تحولت معها بلاد بابل من دولة مستقلة إلى ولاية تابعة للدولة الاخمينية وفقدت استقلالها في السياسة الخارجية ، في حين أصبحت السلطة العسكرية والإدارية العليا بيد نائب الحاكم الاخميني ، ثم تعرضت لغزو جديد جاء من الغرب الاوربي عن طريق االمقدونيين بقيادة الاسكندر الأكبر الذي غزا الشرق وبسط هيمنتهُ على بلاد النهرين بالكامل وانهى الاحتلال الاخميني سنة 331 ق.م ، خلال هذه المدة دوّن الكثير من الضباط اليونانين مجريات الاحداث التاريخية بشكل دقيق ومفصل ، على الرغم من بعض المبالغة في سرد الاحداث ، والاخطاء الجغرافية التي وقعوا فيها عند وصف بعض المواقع والمدن اثناء مرافقتهم للحملات العسكرية ، ومنهم زينوفون ، وبطليموس وارسطوطاليس الذي نقل عنهم اريان ، ولذلك فموضوع بحثنا يكتسب أهمية كبيرة لانهُ يضع تحت المجهر طبيعة هذه المرحلة وحيثياتها وابعادها ، ابتداءاً من صراع الاخوة ( الملك ارتحششتا وكورش الأصغر ) الى غزو الاسكندر المقدوني.