إن قيمة العمل الأدبي ومقدار رقيه تظل رهناً بقدرته على الديمومة وقابليته على الإقناع من خلال امتلاكه الأوجه المتعددة لبعض مفرداته، لما تمتلكه هذه المفردات من إشعاعات لا تخلو من دلالات تعد أكثر سمواً وشمولاً ونفاذاً إلى المعنى الذي يريده المبدع.
وانطلاقاً من القول ألَّا شرعية لأي نظرية جمالية في الأدب ما لم تتخذ من مضمون الرسالة الأدبية أُسساً لها، فإن الأسلوبية من غير الغوص في أعماق الظواهر اللغوية في حد ذاتها واستجلاء السمات الفنية الثرة المكتنزة في بناها اللغوية تكون ضرباً من اللهو وضياعاً للقيمة الفنية لأسلوب المبدع.
فالدراسات الأسلوبية اعتمدت الأعمال الأدبية بالبحث والتنقيب بعد تخليها عن الجوانب التاريخية والجوانب المحيطة بالمبدع، إذ جعلت النص المحور الذي تنطلق منه جهود الباحثين وحوله بغية الوصول التقريبي إلى مقصدية المنشئ.
ومن هنا تأتي دراستي لشعر الشماخ بن ضرار – دراسة أسلوبية، من مبدأ أن شعر الشاعر لم يدرس دراسة نقدية طيلة المدة الماضية، متخذاً من عامل ابتعاد الباحثين والنقاد في العصر الحديث عن شعره عامل شدٍّ وجذب ورغبة في استخلاص ومعرفة الخصائص الأدبية والأسلوبية التي تتمتع بها لغته، وذلك لأن شعره مشحون بقضايا دلالية وإيحائية تمثل الفكر البدوي الذي لا يزال يجسد المنبع الثر الذي لا ينضب إلى يومنا هذا كون شعره يعتمد الغرابة والوعورة فهو شاعرٌ بدويٌ قَلَّ تأثره بالإسلام.