سعى الانسان منذ أول ظهور التكوينات الاجتماعية الى محاولة صياغة قواعد وأصول توفر الاستقرار في كيانه الاجتماعي تجنباً للفوضى وضبطاً للمواجهات بين مختلف الفئات الاجتماعية، حيث ظهر أول تشريع مكتوب في التاريخ الانساني في حضارة بابل المعروف بمسلة حمورابي، كما صدرت دعوات وتشريعات في نفس الاطار في الحضارة الاغريقية ابتداء من “المدينة الفاضلة” الى الاحكام التشريعية للديمقراطية الاغريقية، والمكرسة لحقوق المواطن، ويقدم لنا التاريخ مبادرات اخرى لحضارات مختلفة كالحضارات الفارسية والعربية والهندوسية والصينية والاسلامية والمسيحية وبقية الحضارات، واستمرت هذه المساعي مروراً بالقرون الوسطى.
ولكننا لا نعثر في هذه التشريعات على أي تشريع يتعلق بموضوعة الحريات الفردية وحقوق الانسان، فهذه التشريعات والقوانين الآنفة الذكر توجهت نحو تأمين الحقوق المشتركة لفئة من المجتمع الانساني، ولم تشمل حقوق الفئات الدنيا في المجتمع ولا الحريات الفردية، وفي هذا الاطار يمكننا الاشارة الى “Magna Charta ” الشهيرة، “الوثيقة العظمى”، التي صدرت عام 1215 في انكلترا، والتي فرضها البارونات الانكليز على الملك، وتعد هذه الوثيقة الاساس التشريعي للوائح بريطانيا وقوانينها، الا أن هذه الوثيقة لم تكن في الواقع بداية الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات الفردية في هذا البلد، فهذه الوثيقة كانت تهدف الى تعزيز مواقع الطبقة الاقطاعية في المجتمع عبر تشريعات محددة تلزم الملك بقانون محدد وحق محدد، وليس لصالح جميع فئات المجتمع.
الا ان خطوة الوثيقة الكبرى الاولية بدأت تتسع لتشمل لوائح تمس الحريات الفردية وبداية لتأمينها، ففي عام 1679 صدرت لائحة حول اعتقال الافراد سُميت بـ “Habeas Corpus Akte “، اي “انت الذي تحكم جسمك”، وتعد هذه اللائحة اول بادرة لتأكيد الحرية الفردية وحرمان الملك من إصدار أي قرار كيفي بالاعتقال و بدون قرار من جهة قضائية، وجاءت هذه اللائحة كنتيجة للصراع بين البرلمان البريطاني وبين السلطة المطلقة الملكية.